هل ستظل حياتنا مسودات ؟!
«مبارك» ليس الأفضل.. ولا نحن أيضاً
|
ليس هذا وطناً، بل هو مجرد «مسودة» لوطن، نقرؤه على الورق واعداً، ونعيشه فى الواقع محبطاً! وليست هذه ديمقراطية، إنما هى مجرد «مسودة» لنظام نحلم به مشرقاً ومتسعاً بعرض طموحاتنا فى الحرية، لكننا نعيشه كابوساً يطبق على صدورنا بضيق التنفس! نتطلع إلى العدالة فلا نرى غير الظلم، ونحلم بالحرية فلا نعيش إلا الكبت، ونرنو إلى الكرامة فلا نحصل إلا على المذلة والهوان! هل هذا هو «الربيع»؟ فماذا إذن يكون الخريف؟ لقد تسابقنا فى مديح الثورة وثوارها، وأطربنا سماع كلمات الإشادة والتقريظ فى وصفها على لسان قادة العالم وزعمائه، وأسكرتنا نشوة الانتصار الوهمى على نظام فاسد، حين صدقنا أننا نحن الذين أسقطناه، بينما الواقع يؤكد أنه هو الذى أسقط نفسه بنفسه، حين توكأ على عصا سليمان التى نخرها سوس الفساد، فسقط بسقوطها. لم يكن نظام مبارك يحتاج لكثير من الجهد أو التضحيات أو حتى الوقت لإسقاطه، ولم يكن يحتاج لأكثر من «زقة» ليتهاوى وتتناثر أشلاؤه على الأرض، وتصور البعض أن هذه الدفعة جاءت بيديه وحده دون بقية الأيدى، فراح يطالب بالثمن خصماً من حساب الجميع، فهو الأحق بالنصيب الأكبر من ميراثه، متجاهلاً قوانين التركات والأيلولة التى تعطى للأجنّة حقوق الكبار، فتداعى الجميع على قصعة خاوية إلا من الفقر والكساد والتردى، وتباروا فى إثارة الفتن أكثر من إثارة الأفكار، وأبدعوا فى استحداث المشكلات والمعوقات أكثر من إبداعهم فى إطلاق الحلول، وأظهروا قوتهم فى التصدى لبعضهم أكثر من تصديهم للخصوم والأعداء، فتركوا الوطن نهباً للصوص وقطاع الطرق ومثيرى القلاقل، وتفرغوا للبحث عن نصيبهم فى الميراث قبل أن تتوارى الجثة فى مثواها! هكذا أصبحنا الأقرب إلى الخريف من الربيع، فالأوراق لا تتساقط فى الربيع بل تزهر، والبراعم تتفتح فى الربيع لا تذبل، والعواصف لا تهب بل تسكن، هل ما نشاهده الآن هو ربيع مصر أم خريفها؟! ماذا يكون الخريف إذن إذا لم يكن هو ما نراه الآن؟ ما هى الأسباب التى دعتنا للثورة على نظام مبارك، ولا نجد لها أثراً الآن؟ هل حققنا العدالة الاجتماعية أو شيئاً منها، وهل أنجزنا الديمقراطية أو حدها الأدنى، وهل حصلنا على الكرامة أو ريحها، وهل قضينا على الأزمات أو الكوارث، وحققنا الأمن لنا وللوطن؟ وإذا كنا قد انتفضنا على «مبارك» ونظامه لأنه لم يحقق لنا الحد الأدنى الذى يليق بنا كمواطنين أحرار فى وطن حر فهل حققنا شيئاً مما عجز «مبارك» عن تحقيقه لنا لنقول إننا أنجزنا ثورة نفخر بها، ونطرب لسماع مديحها على ألسنة البعض، ونسعد ونقر عيناً بما حققنا وأنجزنا. إن كل ما يلوح لنا فى الأفق الآن من إنجازات - بعد مرور ما يقرب من العام على ثورتنا - مجرد «مسودات» تحمل لنا الوعود والآمال، بينما الواقع يؤكد لنا أننا نعيش ظروفاً أسوأ وأحوالاً أردأ من الظروف والأحوال التى ثرنا عليها، فلماذا نركن إلى الراحة وكلها يدعو إلى القلق، ونحلم بالاستقرار وكلها يندفع بنا نحو القلقلة. لماذا الثورة إذا لم تكن لصالح الوطن، وليس لصالح حزب أو جماعة أو فئة أو طائفة؟ لقد ثرنا على «مبارك» لأنه لم يكن يستحقنا، لكننا فى الحقيقة كنا نستحقه، فإذا لم يكن هو الأفضل لحكم مصر فلسنا الأفضل للانتماء لها! |
ساحة النقاش